كثيراً ما نقف عند وأمام الموت كصدمة تفقدنا قدرة التعاطي مع الحياة بشكلٍ عاديّ. يحاصرنا الفقد بألوان شتّى. يموج بنا العمر بذكرياته وتلوّناتها. لأجدني أمام قامتك أخاطب الحياة، لا أخاطب الموت.
تأخذني البداهة لأتذكر اللقاء الأول، بغرابةِ ما استطلعته من تواجدي الأول في لبنان.. كان صيف وثلّة من الرفقاء، وكانت زوّادتي من ذلك اللقاء مجموعة مهمة من كتبتك.. هأنذي أنظر التحية الأخيرة يا حضرة الأمين الجزيل الإحترام وأناملك المرتجفة توقّع إهداءك لي فتنحني روحي.
كيف لي أن أنساها ! راقبتها عن كثب – أناملك – ولم أتحدث لأحد عمّا اختلج تلافيف دماغي يومها. قلت عبارة واحدة للكثيرين: لن أنسى عمري أنامله المرتجفة وهي توقّع لي الإهداء. الآن..!
بكلّ ما في الإصرار من إرادة، وبكلّ ما في الحياة من زخمٍ نابض، وبكل ما في الوجود من دروس تختبرنا، ونختبر ذاتنا من خلالها، كلّما مرّ بي الضعف، وكلّما راودتني تجليّات الإنبثاق الأول في إثبات حقيقتي أمام الحقيقة وفي حضرتها، ترتسم الصورة واضحةً جليّة.. فأبتسم كما الآن، بنظرة يبرق فيها دمع يأبى الإنهمار، أنت حيّ بما حييت لأجله، ونحن أحياء به، فلا تنتفي علائقية الترابط المتين، بل يشتد تلاحمها، وتداخلها، فتعطينا من قوتك وإصرارك وثباتك ونعطيك من شبابنا ما يزال شاباً فتدوم فينا دائرة العطاء، بوضوح، ويقين، وعزيمة، أنت أنت، أنت نحن، نحن نحن، نحن أنت، والوشائج تشتد أكثر، تصبح صلبة أكثر، تستمر بقوة أقوى.. فنرى معاً وحقاً أنها الحياة.