116
في قراءة الشعر العربي الحديث لا بد من التوقف عند المعطيات الأساسية التي تنتج الشعر. فعلى مستوى اللغة. هي شجرة تحط عندها الرفوف والأجنحة, كما يرى إلى ذلك سان جون برس، تأتي الفكرة من الخيال أو من العاطفة لتظهر علاقة جديدة لا تكون موجودة في المعنى. لذلك نتوقف عند جملة من العلاقات.
1- العلاقات الجديدة
هذه العلاقات هي من مهمات اللغة.
اللغة تصنع الشعر فتنهار جدران الأفكار القديمة لتطلع من الانهيار شمس أخرى غير تلك التي يعرفها الناس.
مما يعني بأن الشعر الذي يكوّن شموساً أخرى هو حالة في الوعي تفوق الوعي بإعادة ترتيب الاشياء الجاهزة في محطات الانتقال من الحياة العابرة الى الحياة التي لا يعبرها أحد، وإن كان من الذين يعرفون أن شيئاً يضاف إلى هذا الكون المتشح بالرتابة. ذلك لأن الشعر هو بداية سفر ومن ثم رجوع. إنه بداية تساؤل يذهب من مكان في العقل إلى أمكنة أخرى ليست في العقل ولا حتى في الذاكرة.
إنه ارتطام بالماء بالصخرة التي تقبع في البحر. هذه الصخرة التي لا بد من اكتشافها، إتها ليست هنا في هذا الماء المفعم بالملح. بل تنتظر باستمرار أن يكتشفها أحد ليبقى الماء والصخر مغموراً بإمكانية الاكتشاف.
فالشعر هو حالة قابلة دائماً للاكتشاف، إلا أنها بقدر ما تعصى على ذلك، يبقى الشعر هو السحر الذي لا يعرف عنه أحد شيئاً من الأشياء فالصخرة الشيء والماء والملح كلها عناصر تتكون داخل اللغة.
2- الخروج من اللغة
إن احتفال الموجة بحركتها من البحر إلى الشاطئ حيث تحط في البحص والرمل هو احتفال الجملة في توقفها عند الكلمات/ تخرج منها وتبقى في داخلها قوية في إيقاعاتها الخاصة بها.
هنا دور للايقاع في إعادة تنظيم الكلمات وحدة لتظهر سمفونية النغم الجديد.
النغم الجديد في الشعر ليس إعادة ترتيب لكلمات. انما اتصال بين اللون والفكرة المنبثقة من شجرة الرحلة الى الاعماق، حيث تتهاوى الذاكرة في محطات اتصال بين الفكرة وإعادة صياغتها في بحيرة الصور الجديدة.
3- بحيرة الصورة
هذه البحيرة تتماوج في العقل فتلتحق بما هو خارج عنه. مما يعني بأن اضطراب الافكار والعواطف ليس منه التأكيد بأن شيئاً سوف يقع في توقع لنتائج، فالشعر ليس له نتائج داخل حركة العقل. هو أكثر من اضطراب في الأفكار. إنه حالة لا يعرف بها أحد حتى أولئك الذين يقولون الشعر.
فالصورة الناجمة عن اللغة الجديدة لها إيقاعاتها الخاصة بها.
وهذه الإيقاعات ليست ترتيباً للكلمات. إنها جملة جديدة غير متعارف عليها في علم الكلمات. لذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يعرف جوهر الشعر. إنه انبثاق للمعنى من اضطراب المعاني التي لا تريد الوصول الى مكان ما بين الذاكرة والرؤيا.
4- علم الرؤيا
قد يكون هذا الكلام غريباً. إنما الشعر هو العلم الذي لا علم لأحد به. يتفوق على المعرفة البسيطة ليلج الى إنشاء العلوم الحديثة. لذلك فإن الحداثة في الشعر هي إكانية وجوده وإمكانية أغترابه. ففي المرتبة الاولى من مراتب النظر الى موضوعي الحداثة والمعاصرة في مجال النتاج الشعري، ومسألة الشعرية بحد ذاتها لا بد من البحث في المفهوم توصلا الى تعيين خاص للموقع العربي في مجمل الامورالتي يولد منها الشعر. الموقع العربي للشعر الحديث متصل بما أحاط بالتجرية الشعرية في العالم. هذه التجرية مرت بمدارس متعددة. انما مدرسة الشعر العربي وهي متميزة عن غيرها تتراوح بين تقليد القدماء من العرب والمحدثين في الغرب. على هذه التسوية يطرح السؤال الأساسي ما بين علم القدماء في الشعر وعلم المحدثين من الشعراء، على هذه السوية يقع الاضطراب الكبير في مفهوم الشعرية الحديث.
5- مفهوم الشعرية
العلماء من بلاد الاغريق كانوا لا يميزون بين الخلق والشعر. فالشاعر هو الخالق الجديد لهذا الكون الذي يطلع من «ليل المعنى»، كما يرى إلى ذلك الشاعر صلاح ستيتيه. والوضوح خروج على الشعر الى عالم المعرفة.
بذلك قد يكون الشعر هو المعرفة الحديثة التي تتهاوى اطرافها في اغتراب الذاكرة كما يعرفه كل الناس، فيصبح الشعر معرفة حديثة قد تتفوق على معارف القدماء والمحدثين. فمفهوم الشعرية هو مفهوم متراصّ في العقل، متأخر لفهم لطبيعة الاشياء.
فيصبح الشعر هذا حالة متأخرة عن الإدراك الاعتيادي للأشياء. إنه فوق حرارة الالتهاب المترامية أطرافه من غموض الكلمات والمعاني. من هنا فإن بعض الشعراء قد ذهبوا في مفهوم الشعر إلى الغموض الكلي حتى أصبحت القصيدة عندهم صفحة بيضاء .
6- الصفحة البيضاء
بعد بول فاليري وصل مالارميه بمفهوم الرمزية الى مكان يتم فيه توقع الشعر من قبل قارئ الشعر حتى القارئ، حيث يصبح الشاعر كاتب القصيدة الوحيد الذي يعرف معانيها.
مما يطرح التساؤل حول حقيقة المعنى في الشعر، متميزاً عن الفلسفة او عن التفسير العادي للجملة والكلمات.
على هذه السوية الشعرية يصبح المعنى أمراً متلبساً في ذاته. ليتساوى الشعر مع الالتباس. قد تكون هذه هي الرمزية. إنما السهولة تتمثل في إنتاج المعنى عند القارئ كما يريد. إن القارئ في هذه الحالة هو الذي يخلق الاشياء الجديدة التي قد يكون الشاعر هو القاصد لها. هنا يطلع فجر الشعر كما تطلع شمس من ليل الظلام.
إن آية في القرآن الكريم قد تكون هي الآية التي يتم البحث عنها زيتاً في المصباح الذي يضيء زيتونة لا شرقية ولاغربية. تمحي داخلها الجمل ويبقى الشعر أمراً متوقعاً قد يصير أو لا يصير.
7- الصيرورة في الشعر
كل شئ يهب ولا شيء يبقى. كما النهر تتالى حركة الأفكار في التاريخ. وكالشمس المحرقة تسطع الصور المتبقية في المخيلة بعد انقضاء الصور التي استهلكت على الأقلام في الزمن العابر أو في الذكريات التي تحفظ، كما يمكن أن يبقى بعد زوال كل الأشياء الصامتة صمت التراب الذي لا يهدأ في الانهيار كما يقول الشاعر العربي: أشياء تقع كأنها "بتهل" كالرمل في الصحراء الباردة. هنا لا مطر ولا أزيز رصاص. هنا الغربة عن العالم القديم غربة عن المعرفة التي لا تنام. في الشعر إن الضجر يندلع في صخب كما النار تلهب في انتظار الاحتراق.
كل هذه الأشياء الصامتة قد تغني عن الكلام في الشعر.
إن الصمت قد يكون في بعض الأوان هو التعبير الامثل. الصمت في القصيدة الرمزية له إيقاعاته الخاصة به. الصمت ليس انكفاء عن الكلام. إنما هو أفضل تعبير عنه. لذلك فإن الشعر آية غريبة قد تكون آتية من عالم آخر غير العالم الذي يقطن به الشعراء «قراءات في نقد الشعر» هي بحث عن اولويات الصمت في إيقاعات القصيدة الجديدة.
* نائب لبناني
1- العلاقات الجديدة
هذه العلاقات هي من مهمات اللغة.
اللغة تصنع الشعر فتنهار جدران الأفكار القديمة لتطلع من الانهيار شمس أخرى غير تلك التي يعرفها الناس.
مما يعني بأن الشعر الذي يكوّن شموساً أخرى هو حالة في الوعي تفوق الوعي بإعادة ترتيب الاشياء الجاهزة في محطات الانتقال من الحياة العابرة الى الحياة التي لا يعبرها أحد، وإن كان من الذين يعرفون أن شيئاً يضاف إلى هذا الكون المتشح بالرتابة. ذلك لأن الشعر هو بداية سفر ومن ثم رجوع. إنه بداية تساؤل يذهب من مكان في العقل إلى أمكنة أخرى ليست في العقل ولا حتى في الذاكرة.
إنه ارتطام بالماء بالصخرة التي تقبع في البحر. هذه الصخرة التي لا بد من اكتشافها، إتها ليست هنا في هذا الماء المفعم بالملح. بل تنتظر باستمرار أن يكتشفها أحد ليبقى الماء والصخر مغموراً بإمكانية الاكتشاف.
فالشعر هو حالة قابلة دائماً للاكتشاف، إلا أنها بقدر ما تعصى على ذلك، يبقى الشعر هو السحر الذي لا يعرف عنه أحد شيئاً من الأشياء فالصخرة الشيء والماء والملح كلها عناصر تتكون داخل اللغة.
2- الخروج من اللغة
إن احتفال الموجة بحركتها من البحر إلى الشاطئ حيث تحط في البحص والرمل هو احتفال الجملة في توقفها عند الكلمات/ تخرج منها وتبقى في داخلها قوية في إيقاعاتها الخاصة بها.
هنا دور للايقاع في إعادة تنظيم الكلمات وحدة لتظهر سمفونية النغم الجديد.
النغم الجديد في الشعر ليس إعادة ترتيب لكلمات. انما اتصال بين اللون والفكرة المنبثقة من شجرة الرحلة الى الاعماق، حيث تتهاوى الذاكرة في محطات اتصال بين الفكرة وإعادة صياغتها في بحيرة الصور الجديدة.
3- بحيرة الصورة
هذه البحيرة تتماوج في العقل فتلتحق بما هو خارج عنه. مما يعني بأن اضطراب الافكار والعواطف ليس منه التأكيد بأن شيئاً سوف يقع في توقع لنتائج، فالشعر ليس له نتائج داخل حركة العقل. هو أكثر من اضطراب في الأفكار. إنه حالة لا يعرف بها أحد حتى أولئك الذين يقولون الشعر.
فالصورة الناجمة عن اللغة الجديدة لها إيقاعاتها الخاصة بها.
وهذه الإيقاعات ليست ترتيباً للكلمات. إنها جملة جديدة غير متعارف عليها في علم الكلمات. لذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يعرف جوهر الشعر. إنه انبثاق للمعنى من اضطراب المعاني التي لا تريد الوصول الى مكان ما بين الذاكرة والرؤيا.
4- علم الرؤيا
قد يكون هذا الكلام غريباً. إنما الشعر هو العلم الذي لا علم لأحد به. يتفوق على المعرفة البسيطة ليلج الى إنشاء العلوم الحديثة. لذلك فإن الحداثة في الشعر هي إكانية وجوده وإمكانية أغترابه. ففي المرتبة الاولى من مراتب النظر الى موضوعي الحداثة والمعاصرة في مجال النتاج الشعري، ومسألة الشعرية بحد ذاتها لا بد من البحث في المفهوم توصلا الى تعيين خاص للموقع العربي في مجمل الامورالتي يولد منها الشعر. الموقع العربي للشعر الحديث متصل بما أحاط بالتجرية الشعرية في العالم. هذه التجرية مرت بمدارس متعددة. انما مدرسة الشعر العربي وهي متميزة عن غيرها تتراوح بين تقليد القدماء من العرب والمحدثين في الغرب. على هذه التسوية يطرح السؤال الأساسي ما بين علم القدماء في الشعر وعلم المحدثين من الشعراء، على هذه السوية يقع الاضطراب الكبير في مفهوم الشعرية الحديث.
5- مفهوم الشعرية
العلماء من بلاد الاغريق كانوا لا يميزون بين الخلق والشعر. فالشاعر هو الخالق الجديد لهذا الكون الذي يطلع من «ليل المعنى»، كما يرى إلى ذلك الشاعر صلاح ستيتيه. والوضوح خروج على الشعر الى عالم المعرفة.
بذلك قد يكون الشعر هو المعرفة الحديثة التي تتهاوى اطرافها في اغتراب الذاكرة كما يعرفه كل الناس، فيصبح الشعر معرفة حديثة قد تتفوق على معارف القدماء والمحدثين. فمفهوم الشعرية هو مفهوم متراصّ في العقل، متأخر لفهم لطبيعة الاشياء.
فيصبح الشعر هذا حالة متأخرة عن الإدراك الاعتيادي للأشياء. إنه فوق حرارة الالتهاب المترامية أطرافه من غموض الكلمات والمعاني. من هنا فإن بعض الشعراء قد ذهبوا في مفهوم الشعر إلى الغموض الكلي حتى أصبحت القصيدة عندهم صفحة بيضاء .
6- الصفحة البيضاء
بعد بول فاليري وصل مالارميه بمفهوم الرمزية الى مكان يتم فيه توقع الشعر من قبل قارئ الشعر حتى القارئ، حيث يصبح الشاعر كاتب القصيدة الوحيد الذي يعرف معانيها.
مما يطرح التساؤل حول حقيقة المعنى في الشعر، متميزاً عن الفلسفة او عن التفسير العادي للجملة والكلمات.
على هذه السوية الشعرية يصبح المعنى أمراً متلبساً في ذاته. ليتساوى الشعر مع الالتباس. قد تكون هذه هي الرمزية. إنما السهولة تتمثل في إنتاج المعنى عند القارئ كما يريد. إن القارئ في هذه الحالة هو الذي يخلق الاشياء الجديدة التي قد يكون الشاعر هو القاصد لها. هنا يطلع فجر الشعر كما تطلع شمس من ليل الظلام.
إن آية في القرآن الكريم قد تكون هي الآية التي يتم البحث عنها زيتاً في المصباح الذي يضيء زيتونة لا شرقية ولاغربية. تمحي داخلها الجمل ويبقى الشعر أمراً متوقعاً قد يصير أو لا يصير.
7- الصيرورة في الشعر
كل شئ يهب ولا شيء يبقى. كما النهر تتالى حركة الأفكار في التاريخ. وكالشمس المحرقة تسطع الصور المتبقية في المخيلة بعد انقضاء الصور التي استهلكت على الأقلام في الزمن العابر أو في الذكريات التي تحفظ، كما يمكن أن يبقى بعد زوال كل الأشياء الصامتة صمت التراب الذي لا يهدأ في الانهيار كما يقول الشاعر العربي: أشياء تقع كأنها "بتهل" كالرمل في الصحراء الباردة. هنا لا مطر ولا أزيز رصاص. هنا الغربة عن العالم القديم غربة عن المعرفة التي لا تنام. في الشعر إن الضجر يندلع في صخب كما النار تلهب في انتظار الاحتراق.
كل هذه الأشياء الصامتة قد تغني عن الكلام في الشعر.
إن الصمت قد يكون في بعض الأوان هو التعبير الامثل. الصمت في القصيدة الرمزية له إيقاعاته الخاصة به. الصمت ليس انكفاء عن الكلام. إنما هو أفضل تعبير عنه. لذلك فإن الشعر آية غريبة قد تكون آتية من عالم آخر غير العالم الذي يقطن به الشعراء «قراءات في نقد الشعر» هي بحث عن اولويات الصمت في إيقاعات القصيدة الجديدة.
* نائب لبناني