في نهاية يدي.. أصابعكم
في بداية صحن الطعام.. أصابعكم
من يسحب الخيوط البيضاء من المنازل.. أصابعكم
من نضعه نحن وأبوابنا على قلوبنا.. أصابعكم
من يفرز لحمنا في انقلاب الصورة.. أصابعكم
من يزرعني في منتصف الغرفة.. أصابعكم
من يضغط علينا عبر الشاشة ويتألم.. أصابعكم
من يدعكنا كثيراً بمساحيق الغسيل.. أصابعكم
من يعلق أعضاءنا التناسلية على أفلام البورنو.. أصابعكم
من ننظف به أسناننا الفجة.. أصابعكم
من نسوّر به أفواهنا من أجل الصراخ.. أصابعكم
من يمسح وجوهنا عن المرايا
من يضعنا تحت الطاولات
من يسحقنا في أعماق منفضة
من يرمينا في نصف كوب من الماء الدفيء لنذوب
من يتفقدنا في أيدي الآخرين
كأننا أصابعهم الغائبة
فقط أصابعكم.
المدينة في بيتنا!
المدينة بأكملها تدخل إلى بيتنا
يصعد أبي على كتفي
وكذلك أمي على كتفيه
أختي الكبيرة تحت أقدام أختي الصغيرة
نشكل عموداً بشرياً
وسط العميان وأصحاب السيقان المقطوعة
والذراع الواحد
الكثير من النساء تخلع أسنانها الرخوة
وتدفنها في عيون الصغار
أحدهم يقطع ثدي أخته
ليشرب به الماء
آخرون يتسلقون الجدران
ليدخلوا في ثقوب
بعيدة عن الأنظار
فتاة تمدد أباها صاحب التجاعيد الكثيرة
على طاولة الطعام
تمرر المكواة عليه مراراً
لتعيد له شبابه
طفل يشعر بالضجر
يريد أن يبتلع الشارع
يسحل أمه الثقيلة من إصبعها
يستطيل الإصبع لكن يده تنكسر
في منتصف الطريق
كلبة سوداء تلد على التلفزيون
فيسيلون صغارها على وجه المذيعة
القتلة في غرفتي
يذبحون ثلاثة أخوة
ويعلقون الرؤوس في عنق أخيهم الرابع
تلال من الأحذية والملابس الداخلية
تلال من البيوت والسيارات
كل هذا ونحن منتصبون
بعد ذلك جارتنا تشرب أهلي من إصبع قدمي الكبير
واحداً تلو الآخر!.
……
هذا الجسم منذ أيام
يترك لحمه بسهولة
على أمي
على الأصدقاء
على مقاعد الباصات
في صحون الطعام
على المصاطب في الحدائق العامة
على كل شيء أترك مني قطعاً صغيرة
أمشي في الشوارع بعين واحدة
الأخرى سقطت في مجرى كان مزيجاً
من الدماء والمياه الآسنة
الظهر مكشوف للغبار وللسخرية
ذراعي اليمنى مغطاة بالذباب
سرتي تتدلى بين قدمي
أتعثر بها كحبل
حفر في الرأس في الساقين
غياب للأصابع
لا أحد يأكل المسافة التي تفصلني
عن الجميع
الجميع الذي يربي رغبته الوحيدة
كحيوان ليسحق فمي
في البيت لايسمح لي
بتدوير ذاكرتي عن الأصابع الغائبة
حول قبضات الأبواب
حول الكؤوس
حول ذراع الثلاجة
الذي يشعرني بالسلام
لايسمح لي سوى الالتفاف حولي
سوى الوقوف في منتصف الغرفة
حيث المروحة حفرة تدور في السقف
لم تقع نهاية قميصي في أيديهم
مثل كل مرة يمسكونني بها
الصغار هذه المرة فاضت كفوفهم
بلحمي المحمل بالظلال
أتحرك الآن ببطئ
وأضغط على العالم بكراهيتي
أشاهد التلفاز، أطالب بالطعام
أقف أمام المرآة، أتذكر أن لي أعداء وأبتسم
أتكوم بين بقع الدم وأكوام اللحم الكثيرة
الأم تقف أمامي كسكينة في رقبة
تمزق ثوبها إلى خرق
وتربطها بعظامي..
…….
بالخوف وطول قامتي
بالحديث عن الأشياء المملة والعادات الصغيرة
بمقبض الثلاجة والطفل الذي يفتت كفيه
فوق رأس أمه
بارتفاع الطائرات الحربية وقاع بطني
بالورقة البيضاء المليئة بالصدف
بثوب جاراتنا والمروحة الكسولة
بجوار بابي المشبعة بالثقوب وفشلي
بإصبعين من يدي وإصبعين من قدم صديقي
بنسائي الطائفيات
بالسكاكين وغياب الأفواه تحت الشمس
بندمي على الحيوان الذي أسحبه من داخلي
وأرميه في حاوية النفايات قبل دخولي إلى المنزل
بحذائي الجديد والمواعيد المؤجلة مع أشخاص متخيلين
بكل هذا
أتصفح بدم بارد تصاوير من قمت بقتلهم
بينما أسماءهم تصفف الثقوب على جسدي
كما يفعل النمل مع الجثث الثقيلة..
……………
اليوم أنا أطول من أبي
وأقصر منه حظاً مع النساء
أملك فماً جميلاً
يرقد عليه شارب خفيف
بينما فمه يتكوم على نابين
لايطعنان بقوة لقيمات الطعام
لايستطيع الدخول مثلي
إلى المطاعم والمقاهي الجيدة
وسجائره رديئة
يحصل عليها من مروجي الدعايات
يملك الآن (2000) دينار
ورقتان نقديتان ميتتان في جيبه
سيارته الـ(opel kadet) منذ العام 2006
تعطله عن العالم
تتوقف في الشوارع بشكل مفاجئ
تعرضه للسخرية والشتيمة
أبي يتراجع والزوائد اللحمية
على رقبته، على طرف عينه، على كفه
تتقدم في النمو
كل هذا ليس لأن ساقه اليمنى متورمة
لأن عناصر من ميليشيا (ج، م) هشموها بالبنادق ذات ليلة
وليس لأن ساقه اليسرى تخبئ رصاصة
من إحدى حروب هذه البلاد.
نبذة عن علي ذرب – مواليد بابل – 1989.
مؤلفاته:
– فراغ ناصع البياض – 2015.