من اهم نواميس الحياة أن يعرف الإنسان ذاته حتى يعمل على تساميها لتبقى فاعلة منتجة بناءة. وإدراكنا لهويتنا، هو الطريق لتحديد وجودها، قيمتها ومعناها ووظيفتها في هذه الحياة. وتعيين الهوية، هو جواب بديهي على سؤال مؤسس: "من أنا؟" في "من نحن؟".
وعندما نعي هويتنا، نوجه الجهود الى اتجاهات فاعلة في تغيير مجرى التاريخ لتكون التحولات: تحولاتنا نحن، لا تحولاتهم فينا. وهذا متوفر إذا امتلكنا قوانا وأحسنا توجيهها الوجهة الجامعة المانعة: الجامعة ذاتنا ومصالحنا واهدافنا، والمانعة ضعفنا وتفككنا وفق خطة معاكسة لمسار الانحدار.
يُضاف إلى ناموس الهوية قانون النمو. فكل حي هو نام بطبيعته. والنمو يلزمه تطور طبيعي وفق معطيات وشروط حية تسمح لكل كائن أن يقوى من ضعف أو أن يضعف بعد قوة، إنما بقاؤه في قوته ضعف واستكانته في ضعفه ضعف مضاعف كذلك.
كيف نحوّل الضعف قوة، ما دام لا قوة في الضعف، كما توهم يوما من قال : قوة لبنان بضعفه ؟
القوة بطبيعتها، فعاليتان: قوة الفكر والمعرفة، وقوة التنفيذ والإدارة.
إن لم يعرف المرء ما يفعل وإلى أين صائر وماذا لديه من قوى وموارد، وإذا لم يعرف كيف يدير قواه ويعالج ما وهن منها ويعاظم ما كان قوياً فيه، وكيف يتماسك عند الزلزال، ويقرر أفعاله وخططه المعاكسة لما يخطط له وما يستهدف وجوده وقوته، ويقرر بهدى واستنارة، فهو يحكم على نفسه بالضعف حتى يغير ما هو عليه وما هو واقع فيه.
بعد وعي الهوية ووعي الذات العامة فينا، أصبح ملحاً جداً التشدد في تفعيل قوة العمل، قوة الفعل، قوة الأداء، قوة الإدارة والضبط. في تفعيل وتزخيم فعل الحرية، أداء الإنسان الفرد والإنسان المجتمع، إدارة النفوس والعقول والقلوب والأبدان والموارد، ضبط القوى لتحقيق ما يجب، في أقل وقت ممكن بأكبر إنجاز ممكن لمصلحة الكل- المجتمع. ضبط انسياب الزمان والعمر والفرص الضائعة من أجيالنا بلا نتائج تستحق التسجيل منذ عقود، ضبط الهدر والإنفاق حتى الإفساد المدمر بالتلاشي والبلبلة والضياع.
بعد أربعين عاماً من التحولات العلمية والمدنية والمعرفية، ورغم الضوء الذي أشاعته مظاهر التقدم ومساحات الحرية التي اتسعت، هل نحن نتقدم كثيراً، ام تراجعنا ؟.
انعدام التقدم وحلول التراجع يوجب السعي في الحال لتغيير البوصلة، بوصلة الجهود والآليات وكوامن القوى.
امام هذه الاسئلة الوجودية و المصيرية، ورغم تحديات الحروب والفتن والنكسات، صمدت "تحولات" بجدارة مستحقة، فتعثرت أحيانا وواجهت صعوبات الاستمرار أحيانا أخرى، لكنها دوما كانت امينة لرسالتها.
"تحولات" ليست البدء، ولن تكون الختام، بل تحولات "تحولات" في صيرورة الفعل والمعرفة المتغيرة المجددة بلا انقطاع ولا توقف.
أربعون “تحوّلات”..قوة المعرفة والعمل
104
المقالة السابقة